إعلان الرئيسية العرض كامل

إعلان أعلي المقال

فضائل مصر ومزايا أهلهاالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة أقدم لكم مقالة رائعة للدكتورمحمد مرسى الشريف .  
إنه ليصعب على المرء أن يكتب في فضائل مصر ومزايا أهلها، ذاك أن هذا الموضوع بحر خضم لا يُدرك قعره، وأمر مهول لا يمكن ولا يستطاع؛ فكم لمصر وأهلها من فضائل ومزايا تندّ عن الحصر، وتخرج عن قدرة العادّين! وكم لها من تاريخ في الإسلام عظيم، منذ أن وطئتها أقدام الأنبياء الطاهرين، والمرسلين المكرمين!

لكن يصح لمثلي أن يغترف من البحر؛ ليأتي بشيء نَزْر، دلالةً للمستدلين، وعونًا للباحثين، وقيامًا بحق أهل مصر؛ فهم أنساب لي وأصهار، فوالدتي -حفظها الله تعالى- مصريَّة، ووالدي قد أصهر إليهم مرارًا، وأم جدي عقيل مصرية، وأم زوجي مصرية؛ فالعلائق بمصر تحيط بي من كل جانب، وصِلاتي بأهلها قديمة؛ لذا فإني أكتب عنها بعواطفي ومشاعري، وأبثها حبي وأشواقي.

مصر في القرآن:

- قد ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع في كتابه الكريم، وفي ذلك تشريف لها وتكريم، فقال جَلَّ من قائل: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} [يوسف: 21]. وقال سبحانه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]. وقال أصدق القائلين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87]. وقال عز وجل قاصًّا قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51].

- وذكرها سبحانه إشارة في مواضع عديدة تبلغ قُرابة الثلاثين، وذلك نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} [يوسف: 30]، وقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15].

وكقوله تعالى قاصًّا قول آل فرعون: {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127].

وكقوله تعالى قاصًّا قول ناصح موسى عليه الصلاة والسلام: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القصص: 20]... إلى آخر تلك المواضع الكثيرة.

وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف، فقال جل من قائل: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين} [الدخان: 25-28].

- وقد وُصفت مصر في القرآن بأنها خزائن الأرض، فقال سبحانه قاصًّا قولَ يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55]. وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاّتها، وجودة أرضها.

- ولم يذكر نهر من الأنهار في القرآن سوى النيل، وذلك في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: 7]. والمفسرون على أن المقصود باليم هنا هو نيل مصر.

وقال الكندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.

مصر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قد وصى رسولنا الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا، فقال بأبي هو وأمي: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا". والرحم لأنّ أم إسماعيل وهاجر من القبط. وفي لفظ: "فإن لهم ذمة وصهرًا"، والصهر لأنّ مارية أم إبراهيم -رضي الله عنه- منهم، والذمة: هي الحُرمة والأمان.

ولذلك قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهَ اللهَ في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله".

وكل هذه أحاديث صحيحة إن شاء الله تعالى.

فضائل أرض مصر:

حدود مصر من النوبة جنوبًا إلى رفح العريش، ومن برقة (ليبيا) شرقًا إلى أيلة غربًا؛ أي إيلات التي هي اليوم على خليج العقبة بيد إخوان القردة.

وإن لأرض مصر فضائل كثيرة، فمنها أن فيها الوادي المقدس طوى، والجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام.

- وفيها الجبل الذي تجلى الله -تعالى- له فانهد وصار دكًّا.

- وهي المبوأ الصدق الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93]. قال القرطبي في تفسير المبوأ الصدق: أي منـزل صدق محمود مختار، يعني مصر. وقال الضحاك: هي مصر والشام.

- وفي أرضها يجري نهر النيل المبارك الذي ينبع أصله من الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم وأحمد: "النيل وسيحان وجيجان والفرات من أنهار الجنة".

- وفي مصر الربوة التي أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أربعة أقوال للسلف، فقد قال ابن وهب وابن زيد وابن السائب أن مكان الربوة المذكورة في قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] أنها في مصر.

وعلى أرضها ضرب موسى البحر بعصاه، فظهرت المعجزة العظيمة والحادثة الفريدة في تاريخ البشرية.

- وقال تعالى قاصًّا كلام آل فرعون: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36]. وهذا يدل على كثرة المدن في مصر آنذاك.

- وقال عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة"[1]. فجعل كل بلاد الإسلام في كفة، ومصر في كفة أخرى.

وقال سعيد بن هلال: إن مصر مصورة في كتب الأوائل، وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها؛ وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلاد، وقد ذكر سعيد أن مصر أم البلاد وغوث العباد.

وقال الجاحظ: إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور، لغنيَ أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.

ولقد كانت أرض مصر على خلاف ما هي عليه اليوم، فهذا المأمون لما جاء مصر وجلس تحت قبة الهواء وأقبل عليه عظماء المصريين، فقال: قبَّح الله فرعون إذ قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51]، فلو رأى العراق!

فقال له سعيد بن عُفير القاضي المصري الكبير: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، إن ما ترى هو بقية ما دُمر، فقد قال تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} [الأعراف: 137]. فلم يجد المأمون كلامًا يقوله بعد هذه الإجابة الذكية.

وفي رواية أنه قال له: فما ظنك بشيء دمره الله هذه بقيته! فقال: ما قصرت يا سعيد.

قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من مصر، وجميع الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير، حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متى شاءوا، ويرسلونه متى شاءوا، وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المِكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط به من الشجر.. إلى أن قال: وكانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار (أيْ تسعين مليون دينار، وهو مبلغ هائل جدًّا بمقاييس تلك الأيام).

ويدلنا على أن أرض مصر لم تكن كما هي اليوم أن المؤرخين أكثروا من ذكر مصر وفضائلها وجودة أرضها، ولولا أن أولئك المؤرخين ذكروا أمورًا لا تعرف -اليوم- أكثرها، وبعضها غير صحيح، أو كان صحيحًا بمعارف زمانهم ثم ثبت غيره، لولا ذلك لأوردت كلامهم فإنه عجيب، ويرجع من أراد معرفة ذلك إلى كتاب "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" للحافظ جلال الدين السيوطي فيما نقله عن الكندي، وابن فضل الله، والتيفاشي، وابن زولاق، وجماعة كثيرين غير هؤلاء.

وقد مُسحت أرض مصر أيام ولاية هشام بن عبد الملك فوجدوا أن ما يصله الماء منها مائة مليون فدان، ومسح أحمد بن المدبر أرض مصر زمن ولايته فوجد أن ما يصلح منها للزرع 24 مليون فدان سوى ما تلف أو غلبت عليه الصحراء.

وما أحسن ما أورده ابن ظهيرة -رحمه الله تعالى- في أرض مصر فقد قال:
"غيطان مصر -أي بساتينها- وهي عظيمة كثيرة، ومناظرها عالية، ومياهها جارية غزيرة، فيها كثير من الأشجار النضرة، والأزهار العطرة والرياحين، والفواكه الكثيرة من غالب الثمار، وهي كثيرة جدًّا، لا قيمة لها بمصر، ولقد أخبرني المولى سيدي عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل على الله أمير المؤمنين العباسي أنه أكل بقرى البحيرة فاكهة أطيب من فاكهة الشام، منها عنب زنة كل عنقود خمسة أرطال، أحلى من العسل المذاب، وأنعم من السَّلَى[2] لا يحتمل مس الأيدي، وأكل بطيخًا، يشبه الصيفي في شكله: غير أن داخله مرمل، أحلى من الشهد، وأكل بمريوط تينًا أسود صغيرًا أحلى من العسل، وأشياء غير ذلك".

وقد قال ابن ظهيرة يمدح القاهرة وعظم مساحتها، وذلك في القرن التاسع الهجري فقال:
"عظم مدينة القاهرة الآن وكثرة خلقها وأبنيتها من أسواق وشوارع وربوع وغيرها، وبيوت وجوامع ومدارس، فمن المعلوم المقطوع به بالحس، فلا حاجة إلى المفاضلة فيه؛ لأنه من خواص هذا البلد السعيد، ولقد تواترت الأخبار وأجمع المسافرون والسائحون في بلاد الله تعالى الشاسعة، وأرضه الواسعة أنه ليس في الدنيا تحت السماء من مشرقها إلى مغربها مدينة أعمر بكثرة الخلق منها..

لا يكاد ينقطع الزحام بشوارعها العظيمة، وهي ضيِّقة لكثرة الناس والدواب حتى إلى الليل، وبعد العشاء بكثير، ولا تشق فيهم إلا بالكتف، ومن لم يكن متيقظًا يداس بسرعة، وهي وإن كان ثَمَّ مدن بالمشرق والمغرب أكثر منها مساحة ولكنها قليلة الناس، عديمة الإيناس، وأنا أقول: إن هذه ليست بمدينة واحدة، بل مدن مجتمعة؛ إذ في كل شارع وخط ومحلة منها بيوت ودروب وأسواق وجوامع ومدارس تصلح أن تفرد بمدينة واحدة، بل في كل ربع من ربوعها ما يعمر بهم قرية".

- وفي مصر رباط الإسكندرية الذي لا يدري إلا الله تعالى كم سكنه ورابط فيه من العلماء والعباد والزهاد والأبطال والشجعان والأولياء والصالحين العاملين، وهذا الإمام الكبير أبو الزناد الأعرج عبد الرحمن بن هرمز القرشي صاحب أبي هريرة والملازم له، المتوفَّى سنة 117هـ يقول: "خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية".

وقال سفيان بن عيينة الهلالي المحدث المشهور (ت 198هـ) لإمام المصريين أحمد بن صالح: يا مصري، أين تسكن؟! قال: الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندرية؟ قال: نعم. قال: تلك كنانة الله يجعل فيها خير سهامه.

- وفي مصر جامع عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول جامع بُني في قارة إفريقيا، وقد ضبط قبلته جماعة كثيرة من الصحابة -رضي الله عنهم- قُدروا بثمانين رجلاً.

- وفي مصر جامع الأزهر الذي له الفضل المشهور، ولشيوخه مواقف كثيرة جدًّا في نصرة الإسلام وأهله، وهو اليوم بعد الثورة يُرجى له أن يعود منارة شامخة كما كان، إن شاء الله تعالى، وقد قال ابن ظهيرة -رحمه الله تعالى- في الجامع الأزهر:

"فليس في الدنيا الآن، فيما أعلم، له نظير ولا ينقطع ذكر الله تعالى عنه طرفة عين في ليل ولا نهار، وفيه أروقة لأصناف من الخلق منقطعين لعبادة الله -تعالى- والاشتغال بالعلوم وتلاوة القرآن، لا يفترون ساعة".

- وأما عجائب أرض مصر فكثيرة جدًّا فمنها الأهرام، ومنها صنم الأهرام وتسمِّيه العامة أبا الهول، وفيها عجائب الأقصر ومَنْف، وعين شمس، والنيل، والإسكندرية ومنارتها وعمودها، وفي كل ذلك تفصيل طويل، وقالٌ وقيل، وآثار مروية، وأخبار متناقلة، وأسرار غامضة، وبعض تلك العجائب باقٍ وأكثرها قد فني.

وقد فتح المأمون هرمًا من الأهرام زمن قدومه مصر قبل موته بسنة أو نحوها، فوجدوا فيه من عجائب الأموال والموميات والأصنام أمرًا مهولاً، وفُتحت مقدمة هرم منها زمن أحمد بن طولون أيضًا، ووجدوا فيها عجائب ويئسوا من فتح كل الهرم، ولا يُعرف على التحقيق من بَنَى تلك الأهرام وكيف بناها.

وقد عُرِف اليوم من أسرار الأهرام شيء كثير.

وقد استقلت مصر بالخلافة الإسلامية 265 سنة تقريبًا، منذ انقطاع الخلافة من بغداد عقب الغزو التتاري الهمجي سنة 656هـ إلى سقوط مصر بيد السلطان سليم العثماني سنة 924هـ.

المصدر: موقع التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال